الروح مخلوق لطيف، وسرّ عظيم، حارت في كنهها العقول، وتعددت الأقوال والمذاهب -قديماً وحديثاً- في إثبات وجودها، وتفسير ماهيتها، وارتباطها بصاحبها وانفصالها عنه. ولا يستطيع أحد أن يحيط علماً بالروح، وكل ما عمله المحققون والباحثون هو دراسة ظواهر وأمارات وجودها، أما هي ذاتها فلا، لأن الله سبحانه وتعالى قد اختص نفسه بعلمها، وجعلها من أمره وشأنه وحده، فهو خالقها ومبدعها، قال تعالى: {ويسئلونك عن الروح، قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا}. والروح في القرآن الكريم وردت على عدة أوجه: الوحي: كقوله تعالى: {وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا}. القوة والثبات والنصرة: كقوله تعالى: {وأيّدهم بروح منه}. المسيح: كقوله تعالى: {إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقها إلى مريم وروح منه}. الروح التي سأل عنها اليهود فأجيبوا على أنها من أمر الله تعالى. هل الروح قديمة أو محدثة؟ خلقت قبل الجسد أو بعده؟ وبعد موت الجسد أين مستقرها؟ وهل تموت الروح؟. هذه الأسئلة وغيرها مما يتعلق بأمور الروح وأحوالها وردت على الإمام الجليل ابن قيم الجوزية، فرد عليها بأسلوب علمي ومنهجي راق -شأنه في جميع كتبه ومصنفاته- فحرر المذاهب والأقوال، وفند آراء الفلاسفة وفرق المتكلمين، وبين رأي أهل السنة بالدليل من الكتاب والسنة وصحيح النقل، ولم يخل كتابه من قصص وحكايات ربما أفادت السياق العام للموضوع الذي ذكرت فيه، فجاء كتاباً بالغ الأهمية، عظيم النفع يهب للروح روحاً، ويورث للصدر شرحاً، كما يقول عنه الآلوسي، وهو كتاب ما صنف مثله في معناه، ولا تكاد تجد في ما تضمنه من بدائع الفوائد، وفرائد القلائد، في كتاب سواه كما وصفه الإمام برهان الدين البقاعي في المقدمة التي صنعها له، وهو كان قد اختصره وسماه سر الروح.
show more...Just click on START button on Telegram Bot